لقد
أبدع المسلمون حضارةً ومدنيةً ، وأقاموا دولة ، ولكنهم انتكسوا هذه الأيام ، لأن
الحياة الإسلامية بعيدةً كل البعد عن تعاليم الإسلام وإمكانياته . فكل ما كان
تقدماً أصبح بين المسلمين اليوم تراخياً وركوعاً ، وكل ما كان كرماً وإيثاراً ،
اصبح اليوم يترجم حباً في المظهر بل أصبح
وجوده كجسد بلا روح ، مما أدى إلى معاناة الناس من الضلال والانحراف ، والشقاء
والاضطراب نتيجة ابتعادهم عن هدْى الله وموالاة أعداء الله .
إن
هذا الفهم ليس سهلاً على نفوس الناس وأفهامهم
لانحرافاتهم في التصور والسلوك ، فتارةً يقولون بأنهم لا يخالفون الله في
أفعالهم وتصرفاتهم ، وأنَّ الله أمر بهذا الذي يصنعون ، وأحياناً يقولون بأنهم لا
يملكون ردَّة أو تغييره .
والحق
أن الناس فريقان لا ثالث لهما . فريقٌ يعرفون الله حق معرفته ، فيهتدون بهديه ويحتكمون إلى شريعته في تفصيلات حياتهم
كلها وأولئك هم المسلمون ، وفريقٌ لا
يعرفون الله حق معرفته ، فلا يهتدون بهديه ، ولا يحتكمون إلى شريعته ، كما هو
الحال هذه الأيام إذ يحتكمون إلى الغَرب
ويوالونهم ويأتمرون بأوامرهم
ويخافونهم أكثر من خالقهم ، وأولئك هم الجاهلون ، ولو كانوا من المسلمين ،
لأنهم يكرهون الإسلام ، ويعملون على إقصائه عن الحياة ، مع إيمانهم بأن الإسلام
أمر أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ، ولا يتذلل لأحدٍ غيره ، ولا يطيع إلا من أطاعه
ولا يعصي إلا من عصاه ويكون عزيزاً لا
يعرف في الحق لومة لائم .
لقد
انعكست الآية وتبدَّل الحال وانقلبت المعايير
فأصبحت المخازي هذه الأيام موضعاً للفخر
والتصاغر أدبا والتذلل لطفا ، والتملق فصاحة وترك الحقوق والتخلي عنها سماحة ، وقبول
الإهانة تواضعا ، والرضا بالظلم طاعة ، والإقدام تهورا والشهامة شراسة ، والمطالبة
بما سلب من أراضى المسلمين جنوناً .
إن
هذا الواقع الأليم ، مخالف لتعاليم الإسلام
لأن الإسلام جهاد لا يهدأ ، وعمل لا يفتر وطاعة متصلة ، وعزةٌ قائمة ، فإذا
أردنا أن نرجع إلى الإسلام ، عبادة وتشريعا ، وعملاً للدين والدنيا وسلاماً وسعادة
للبشر ، فإن إرادة الله ولا شك معنا ، ولا غالب لنا يومئذٍ .
رأى
رسول الله ﷺ
رجلاً يتعبد ويقول : اللهم زوجني الحور العين ، فقال رسول الله ﷺ
: (بئس الخاطب أنت ، أتخطب الحور العين وأنت تعبث بالحصى ؟ ) . غفر الله
لذلك الأعرابي لقد ورِث المسلمون غفلته وفتور همته ، فكل المسلمون اليوم إلا من رحم
الله ، لسان حال ذلك الأعرابي . إن الإسلام أخلاق وعبادات ونظم ومبادئ وتشريعات ، وقبل هذا وذاك قوة ذات
بأس ، تعلوا بها كلمة الله ، وتُصان بها الأخلاق والعبادات ، وتتحرر البلاد
والمقدسات
قال
ﷺ
( أنا نبي الرحمة ) ، بكل ما فيها من معانٍ سامية ، لكنه إذا جد الجد أو
خدش الحق فهو نبي الملحمة ، لا مهادنة ولا استسلام للأعداء وفي هذا الصدد يقول الرسول ﷺ
: ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة ، حتى يعبد الله لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل
رمحي ) .
فما
وصل المسلمون إلى ما وصلوا إليه إلا لأنهم تركوا روح دينهم ، وتشبثوا بالعقائد
الباطلة والخرافات والأوهام ، فلوا
اتَّبَعوا تعاليم الدين وعمل أولوا الأمر
للوصول إلى الغاية التي أرادها الإسلام
باستقلالهم عن الغرب ، وعدم التعامل معه بما لا يتفق وديننا ، والخدش من
كرامتنا لأن نيل الحرية والاستقلال ،
بشروط أعدائنا والاستسلام لهم بالتذلل
والسؤال ، حتى أنهم يعتمدون في المطالبة بحقوق هذه الأمة ، على عدالة غاصبي هذه
الحقوق ، وهو منطق أقل ما يقال فيه ، أنه قائم على الغفلة والجهل ، أو التجاهل
بطبائع عدونا ، لأن الغاصب لو كان يستشعر العدالة في نفسه ، ما غصب غيره .
ولو
أن المخالفين لمنهج الله ، استهدوا فطرهم السليمة ، واستفتوا قلوبهم لهدوا إلى
الحق والصواب ولعلموا أن الجهاد الذي
استبعدوه من واقع الحياة ، والذي فرضه الإسلام ، هو طريق الخلاص ، وأن القتال هو
طريق الاستقلال
إن
الإسلام يأبى على معتنقيه أن يستذلوا ، بل إنه لم يجعل في قلب المسلم مكاناً للذل
إلا ذلة التواضع والرحمه للمسلمين . قال تعالى : {أذله على المؤمنين أعزةٍ على
الكافرين} وقال : {محمدٌ والذين
معه أشداء على الكفار رحماء بينهم }. وما عدا ذلك لا ذل ولا أستذلال وإنما عزة واعتزاز على كل من في الأرض قال
تعالى : {ولله العزة ولرسوله والمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون }.
إن
الإسلام يوجب على المسلمين أن يعتقدوا ذلك
وأن يؤمنوا به وأن يجعلوا هدفهم الأسمى تحقيقه ليهيئوا لأمتهم مكانتها التي اختارها الله لها
قال تعالى : {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس } . ويحرِّم كل التحريم على المسلم
أن يوالي غير المسلمين ، لأنه لم يُجز موالاة الكافرين إلا للتقاة شريطة أن يكون عمل المسلم خالصاً لمصلحة
الإسلام والمسلمين ، لأن القاعدة في الإسلام ، أن المؤمن ولى المؤمن ، والكافر
ولَىّ الكافر ، وأن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، أمةً واحدة قال تعالى: {وان هذه أمتكم أمة واحدة }
.
ويقرر
الإسلام بأن موالاة غير المسلم ، تؤدي إلى الفتنة والفساد ، وأن المودة مع غير
المسلمين جائزة ما داموا لم يقاتلوا المسلمين ، ولم يعتدوا عليهم ، ولم يحتلوا
أرضهم ، وإلا فيحرم على المسلمين ، أن يوادوا الذين قاتلوهم في الدين وأخرجوهم من
ديارهم ، بنصوص القرآن الصحيحة ، قال تعالى :{لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء
من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ ، إلا أن تتقوا منهم تقاه}آل
عمران28 .
إن
الإسلام بمفاهيمه الصحيحة ، بينه وبين تطبيقات المسلمين العملية ، مسافة المخالفة
والمعصية والإثم ، وقد أوهنت الشعوب الإسلامية
عواملُ العداء والطمع والأثرة وحب الذات
وهذا ما مكن أعداءهم منهم ، ولولا أن الإسلام حقٌ بذاته ، مؤيدٌ بتأييد
الله ، محفوظٌ بحفظه ، لم تبق منه بقية تصارع قوى الشرِّ في الأرض ، والتي ما تركت
سبيلاً من المكر به إلاّ سلكته قال تعالى:{ ويمكرون ويمكر الله والله خير
الماكرين}
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق